لا تقر المعايير الوطنية والثورية العمل المسلح وتوجيه النيران نحو الداخل الفلسطيني مهما عظمت المبررات حتى ولو كان ضد سلطة الانقلاب بغزة، فالجريمة لا تقاوم إلا بالقانون والاحتكام لعدالته حتى ولو طال الزمن، فصاحب الحق ليس مباحا له أن يلجأ لنفس الوسائل التي استخدمها الانقلابيون لتنفيذ مخططاتهم المحوسبة للاستيلاء على السلطة، فالمفطور كبده على ولده المقتول على يد المسيطر عليهم والمسيرين بدوافع الأحقاد والكراهية يفكر مليون مرة قبل أن يقر ويوافق على أن ينفطر كبد فلسطيني آخر على ولده. فالحياة بأمان وسلام إلى أن يشاء الله ويسترد أمره هي أسمى أماني الإنسان العاقل المتفائل، يتمناها ويحبها للآخرين، كما يحبها ويتمناها لنفسه.
الزغرودة التي سمعتها منطلقة من أحد البيوت بمدينة الزهراء، وكلمات نائب في التشريعي هي أم لشهداء وهي تعتبر ما حدث صبيحة يوم الجمعة في الرابع عشر من حزيران يوم أتم الانقلابيون الاستيلاء على غزة بأنه نصر مبين كان صداهما على نفسي وكأن الرصاصات التي اخترقت بيتي وشظايا القذائف على واجهته ودوي الانفجارات وخرابها كان كله موجها نحو قلبي، لأني كنت أفترض أن الأم هي أكثر من يعرف معنى انفطار الكبد وانطفاء نور العين فكيف تشمت وتفرح فيما أمهات مثلها تنفطر أكبادهن في تلك اللحظة ؟!!
فالأم منزهة عن الدخول في متاهات الصراعات الحزبية، فهي مدرسة تعد الأجيال من أجل الحياة وليس من أجل تعميم الموت في ديار الآخرين، فما بالك إن كانت أم شهيد ؟! قال تعالى في القرآن الكريم " والعصر إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر " فالانتقام وقتل الأبرياء الذين لا ذنب لهم ليس من ألأعمال الصالحات، حتى المذنبين والمجاهرين بمسؤوليتهم عن جرائم القتل أيام الانقلاب وقبله وبعده ليس لأحد الحق بالقصاص منهم، فالمظلومون في المجتمعات الحديثة يولون قضاياهم وأمورهم لسلطة القانون والقضاء النزيه العادل، فالقضاء الذي يمثل ضمير المجتمع هو ولي الدم الحقيقي عن كل فرد بالمجتمع، ورجال القانون هم وحدهم المكلفون بإصدار الأحكام والقصاص وإقرار العقوبة.
ليس العمل المسلح لإنهاء الانقلاب بغزة أو لتغيير أي حالة وواقع داخلي في الوطن إلا انقلابا على قيم الإنسان الوطني والاجتماعي، فالرصاص سيصيب حقوق صاحب الحق بمقتل، فمن تربى على قيم الثورة والحياة من اجل فلسطين الحرية والسلام لا يمكنه توجيه سلاحه نحو أبناء شعبه مهما بلغت مضاضة وشدة ظلم ذوي القربى، فالحركة الوطنية الثورية الفلسطينية ما أنشأت وبنت الإنسان المناضل إلا ليعلي شأن التعقل والحكمة لحل كل المتناقضات، حتى وان سارع أخوة في الوطن إلى السلاح ليرسموا خارطة إمارتهم بالدم النازف من صدور الأبرياء، فالوطن في وعي المناضل الوطني قيم ومكارم أخلاق وسلوكيات إنسانية، ومبادئ كالذهب كلما تعرضت للطرق لمعت أكثر وتمددت لتبلغ المدى، وتبلغ السماء بان هاهنا على هذه الأرض من يستحق الحياة، فخذ بيدنا يارب الناس، واهدنا الصراط المستقيم !!.
يجب أن نعمل جميعا لأن يكون الشاب علي مطر من مخيم الشاطئ بغزة آخر ضحية، لا أعرف عنه شيئا ولا يمت لي بصلة قرابة، فأنا مقطوع من شجرة في هذا القطاع غزة، لكني اعرف وأدرك أن قلب أم فلسطينية أو قلب أب فلسطيني قد انفطر، فمتى يقرر من أخذهم الغرور والعناد العودة عن انقلابهم ومحاسبة النفس، أم تراهم قد صمموا على الخسران بديلا ؟!!